نواكشوط ( وكالة البلد للأنباء ) يتحمل المعلم الموريتاني ما لا يتحمله أي موظف في القطاعات الأخرى لأنه يجمع أكثر من عمل و مُطالب بأكثر من طاقته، فهو ذلك المعلم الذي عليه أن يتابع جميع التخصصات و يدرسها.
في مادة التربية الإسلامية يُشبه شيخ المحظرة، فعليه أن يكون مفسرا و مرتلا ومجودا للقرآن الكريم راوية للحديث دالا على الأخلاق الحميدة، منقيا و مثبتا للعقيدة، فقيها في العبادات، محدثا في السيرة النبوية.
و في مادة اللغة العربية مطالب أن يكون أديبا حينما يُدَرّس نصا شعريا أو نثريا في مجال القراءة ونحويا عند تدريس قواعد النحو و الصرف، وخطاطا في حصة الإملاء و الخط، و مؤلفا يكتشف المواهب في حصة التعبير الكتابي، ومطربا وملحنا في حصة الأناشيد.
و في التاريخ و الجغرافيا مُطالب أن يكون سائحا في الخريطة يبحث عن مواقع أو آثار لها علاقة بأحداث أو شخصيات وطنية،و يحدد الخصوصيات الطبيعية و الديمغرافية و الإدارية للبلاد،ثم يدخل في جلباب المؤرخ ليقدم صفحات من التاريخ الموريتاني قبل الإسلام و ماتخلله من أحداث،ثم بعد الإسلام حتى يصل إلى مرحلة الاستقلال.
هذا إضافة إلى نثره لشذرات من التاريخ مرتبطة بالحضارة الإسلامية،ثم يكون خبيرا في الشؤون الخارجية يحلل علاقة موريتانيا بالبلدان المجاورة و تلك التي تربطها بهم روابط اقتصادية و ثقافية و مصالح مشتركة.
و في مادة العلوم الطبيعية نجده عالم فيزياء يحل مشاكل تتعلق بحالات المادة،و صاحب ورشة يصلح الأجهزة الكهربائية،و يكون سباكا يفتح و يفكك و يركب الحنفيات،و منميا و راعيا يهتم بأنواع الحيوانات و أماكن تنقلها، و طبيبا بيطريا يشرح خصوصياتها و فوائدها و أمراضها،و صاحب بقالة خبير في المواد الغذائية، و مراقبا في البيئة يتابع التصحر و زحف الرمال و الحرائق و التلوث و القمامة،ثم طبيبا يشخص بعض الأمراض و يبين كيفية الوقاية منها و يعطي علاجا لها.
و في مادة التربية المدنية يكون خبيرا في الشؤون الاجتماعية، يقدم نصائح عن أهمية الأسرة و دور الطفل فيها ثم في مجتمعه بصفة عامة،و يكون فلكيا يحدد فترات اليوم و يرتب الأحداث الأسبوعية و الشهرية،و مهندسا معماريا يقدم عروضا عن المباني المدرسية و المنشآت العمومية،و سياسيا مخضرما يشرح المصطلحات السياسية و البرامج الانتخابية و ملحقاتها من تصويت و ترشح و تحديد السلطات المحلية و مجالات اختصاصها و مختلف أجهزتها،و مستشارا قانونيا يقدم نظرة و حلولا لأمور مرتبطة بالحقوق و الواجبات،و يكون سفيرا ديبلوماسيا في المنظمات الإقليمية و الهيئات الدولية.
و في مادة الأعمال اليدوية و الرسم و البستنة،يكون مهندسا قادرا على إنجاز أدوات مدرسية و أشكال هندسية بواسطة مواد متوفرة،و فنانا تشكيليا خبيرا بتقنيات الرسم سواء كان رسما حرا أو إنجاز خرائط صامتة،و مزارعا يعرف أنواع التربة و خصائصها و كيفية الغرس و استصلاح الأراضي و سقيها.
و في مادة الرياضيات يكون تاجرا يعرف ثمن البيع و الشراء و الربح و الخسارة،و مصرفيا يعرف اللعب بالأرقام،و مهندسا يخطط مختلف الأشكال.
و في مادة الرياضة البدنية، يكون بهلوانا يعلم الأطفال مجموعة من الحركات مثل كيفية القفز في الارتفاع و الطول و الجري على خط مستقيم،و يكون مهرجا يرسم البسمة على شفاه الأطفال عندما يلعبون ألعابا يمثلون فيها حركات بعض الحيوانات مثل الأرنب و البطة و الضفدعة،و لعبة الدركي و السارق،و يكون حكما عندما يفرض عليهم الالتزام بقواعد اللعب و التحلي بالروح الرياضية.
هذا فيما يخص المواد المُدَرَّسَة بالعربية و قد اختصرت محتوياتها كثيرا نظرا لضيق المجال و هي موجودة كلها في البرنامج،أما مواد الفرنسية فأهل مكة أدرى بشعابها، و هم أيضا يُدَرّسون نفس المواد باستثناء التربية الإسلامية و التاريخ و الجغرافيا و التربية المدنية و يعانون من نفس الحمل الذي يعاني منه مدرسو العربية.
و مع هذا كله في الساحة يتحول إلى شرطي مرور ينظم الصفوف،و إلى موظف في البلدية يشرف على النظافة،و إلى رئيس محكمة ينظر في الشكايات(سيدي هذا ضربني،سيدي هذا سرق قلمي،سيدي هذا شتم أبي،سيدي هذا أكل خبزي…).
ثم إلى أم و أب حنونين عندما تسيل دمعة طفل،و إلى طبيب مسعف عندما يجرح أحدهم،و إلى طبيب نفسي عندما يستمع لمشاكلهم، و إلى…و….و…..الخ
و هذه الأعمال كلها من تدريس و رقابة و إشراف يكون واقفا على رجليه حين يقوم بها،و مع ذلك لا تتوفر لديه وسائل تعليمية تساعده على القيام بواجبه كما ينبغي،فيضطر أحيانا كثيرة للتصرف من تلقاء نفسه ليشتري كتبا أو طباشير أو يحضر بعض وسائل الإيضاح من جيبه الخاص.
قولوا لنا بالله عليكم هل يوجد موظف وُضِع عليه مثل هذا الحمل الثقيل؟
لماذا لا يُدَرّس المعلم مادة واحدة فقط يركز عليها؟
هناك دول لا توجد فيها أي تفرقة بين الأسرة التربوية من حيث الاسم،عندهم مُدَرس ابتدائي و مدرس ثانوي و مدرس جامعي،و كل مدرس من هؤلاء عنده مادة واحدة فقط حسب المرحلة الدراسية يدرسها و يبدع فيها.
لماذا المعلم الموريتاني يُطلب منه أن يكون عالم كل فن،و لا تُوَفَّر له الآليات المساعدة على ذلك،ثم يُوضَعُ في ظروف مادية و نفسية و معيشية مزرية،و يُهَمَّش من الجهات المعنية و يُحْتَقَر من المجتمع،و بعد كل هذا يحملونه مسؤولية فساد التعليم و يضعون عليه اللوم وحده؟!