نواكشوط ( وكالة البلد للأنباء ) أعيد نشر هذا المقال اليوم عندما أعيد نشر و تداول نص “أي مستقبل للبيظان” للدكتور/ أحمد ولد هارون ..على إثر تداول صوتياته الأخيرة و إقالته ..
يرسل هذا التصويب رسالة مهمة :
– التنبيه الى ان ماكان يشكل قناعات لنا مازال كذلك رغم ما نسج عنا من كذب !
ذلك ان هذا النص و نصوص كثيرة واكبته كتبت في وقت لم أكن فيه انتمي لأي تنظيم سوى حركة الحر التي أرتبط بها عضويا !
بل أي مستقبل لموريتانيا؟
لقد قرأت على موقع أمجاد مقالا مطولا للأخ أحمد ولد هارون ولد الشيخ سيدي، عنوانه: أيٌّ مستقبل للبيظان؟ و انتظرت لعدّة أيام لعلّ الفتى يجد من يرد عليه مهنّئا أو عاتبا أوناقدا أو معتذرا، لكنّ شيئا من ذلك لم يحدث، فوجدت أنه من واجبي تقويم ذلك النّص وإبراز موقفي من بعض الأفكار الواردة فيه، ذلك أن السّؤال الذي طرح “الدكتور” يعنيني من عدة زوايا أهمها:
أولا: أن لي، بوصفي حرطاني ( لامتزنّج و لا متبيظن ) ، قضية أكل الدّهر عليها و شرب، يمثّل هذا المقال أول صوت مسموع للطرف الآخر فيها.
ثانيا: و لا أقل أهمية عن ذلك كوني و “الدكتور” ننتمي لنفس المحيط الإجتماعي، كنت فيه مسترَقا وهو فيه مالكا للعبيد، عَهدهم يُضربون و يُسجنون ويٌُحتقرون من داخل أسرته… ! ولا يُبدي في مقاله هذا أي ندم و لا انزعاج!
ثالثا: إن السؤال الذي تقدم به، زيادة على كونه يُنم عن عنصرية تجاوزت كلّ المقاييس، فهو في غير محله لأنه يشير باستعلاء إلى ما كان فيه البيظان من رغد العيش ونفوذ وجاه و يتناسى أن ذلك كان على حساب لحراطين، و هو إذا غبن و استغلال للبشر ، و رغم كل ذلك يتباكى على ذلك الماضي ويبحث عن طرق لتكريسه و المحافظة عليه.
لهذه الأسباب الثلاثة قررت التّعليق على بعض فقرات ذلك المقال، دون أن يكون غرضي استهداف هذا الشخص بالذات أو محيطه الضيّق، فكان سيكون ردي هو نفسه لو كان الكاتب شخصا آخر! فالعبرة عندنا بالأفكار لا بمن صدرت عنه!
إن كل ما يقوله أخي أحمد عن البيظان وحرصه على” مستقبلهم و الدفاع عن مكاسبهم ودولتِهم وحضارتِهم ومركزِهم السياسي والديمغرافي… وإلى أين يسيرون؟ وهل ينقرضون؟ وما مدى استفادتهم من الدولة والأرض؟ وما هي حصونهم وضماناتهم؟ ومن يتكلم باسمهم ومن يدافع عنهم؟… كل ذلك كلام عهدناه في خطابات جان ماري لوبن وبيتر بوتا وشارون و إن كان الثلاثة أكثر شجاعة و”نزاهة” . فكان أحرى بالدكتور أن يتساءل عن ماضي البيظان ! ذلك لأن معرفة الأسباب معينة على التأويل؛ ثم إن تصحيح البدايات شرط النهايات…
فكيف” أسسوا “الدولة الموريتانية و نهبوها و استغلوها للحصول على المنح والشهادات و الوظائف و الجاه و القصور، و كيف كان أغلب مشايخ الأرض عملاء للمستعمر، يمدهم بالأموال ويبني لهم الدورويغضّ الطرف بل يساعدهم على الممارسات الإسترقاقية اللاّ إنسانية، مقابل خدمتهم وتسخير العبيد و الحاشية لطاعتهم، فمن الطبيعي أن يتباكى سليل هذه الأسر على هذا المجد المبني على أكتاف رجال ونساء حرموا المدارس والكتاتيب و المحاظر لكي يبقوا إلى الأبد في أسفل السلم !
إن حرص الدكتور على مستقبل هذا البلد “بلدهم” وخوفه من ” أنْ يَعْبَثَ به العابثون والمرتزقة والأجانبُ و اللامسؤولون ؟ّ” لا يوازيه إلا حرصنا على تصحيح الأخطاء ومحاكمة التاريخ لننتشل ألئك الذين سُخّروا لرعي المواشي وجلب الماء و طهي الطعام، حين كان هو و أمثاله يرسبون في جامعات المغرب وفرنسا و تجدد لهم المنح حسب الطلب.. !
نريد أن نقضي على تلك الدولة التي بات فيها اسم الأسرة دليلا علميا و مفتاحا سحريا، يجب ذكره مهما كان بعده… أما “اللاّمسؤولون” الذين يخاف منهم أحمد على مجده، فهم نتاج فترة طويلة من الظلم و الغبن و الاستهتار، كان أجدى به الاعتذار لهم و التماس العفو لأجداده بدل الاستنجاد بالبيظان في شبه المنطقة و تأليبهم على وطننا وأهلينا. فهل هو إذا يفضل البيظان في النّيجر و مالي على لحراطين؟ أم أنها العنصرية الفطرية التي تقود هم إلى مساندة فلسطين و العراق و تجاهل ما يعانيه لحراطين من بؤس و شقاء في أحياء الصفيح و ٍآدواب … !
لا يخلو نص الأستاذ من أفكار إيجابية ، تبدو فيها المجاملة و الاستدراك إلى جانب الكيل بمكيالين فمثلا حين يقول:” فلا يحق لأي جهة، سواءً كانت أكثرية أو أقلية وسواءً كانت في الحكم أو في المعارضة أو كانت إيديولوجية أو عرقية، أن تصنع للناس قضيتهم وتمليها عليهم” فهذا يتناقض بوضوح مع الطريقة التي يتعامل بها منظّروا دولة البيظان مع مسألة هوية لحراطين، أليس إذا من حق لحراطين أن يقرروا من يكونوا؟ فهل من المنصف أن يقرّر لنا دوما و نيابة عنّا: بالأمس قرر لنا أن نكون عبيدا لا يملكون و لا يستشارون، ولا يجب عليهم سوى طاعة أسيادهم وذاك مبلغ علمهم، واليوم قرر لنا أن نكون عربا،لحاجة في نفس يعقوب؛ فمتى سنبلغ سن الرشد و يكون أمرنا بأيدينا ؟
كذلك عند ما يقول الدكتور: “.. لكنْ ليس هناك أيُّ شخص مُرْغَمٌ على الكذب من أجل هذا الوطن!” فهذا درس في الأخلاق لن يستوعبه الماكيافلّون (البيظان) فكل ما بني حتى الآن مبني على الكذب والدس و التزوير و استغلال النفوذ و الوشاية و التدابر و التنابذ و الغبن؟ أليست الدولة الموريتانية كذبة كبيرة تغلف هيمنة أقلية عرقية عن طريق الغش و التملق و الولاء للخارج( فرنسا و العراق و ليبيا …)، أليست الحكومات المتتالية منذ نصف قرن مجرد تحالف أو تعاقد أو محاصصة بين القبائل و” الإمارات”،وهو تحالف يعطى الزنوج فيه قسطا يوازي وزنهم الديمغرافي!أما لحراطين فتحت الوصاية، وصاية الشيخ والأمير و”الخيمة الكبيرة”
كما أنبّه السيد أحمد إلى أن فكرة “لحراطين المتزنجين” التي استخدمها عدة مرات فكرة قديمة لم تعد تستفزنا بقدر ما نفهم منها ما يكن لنا قائلها من احتقار ودونية! فنحن لسنا “عرش أعلند” بل نستطيع أن نكون دون أن نستند على البيظان أو الزنوج، و لنا فكر نحن منتجوه و منموه و مطوروه ، و لنا مشروع لبناء دولة عادلة تذوب فيها الفوارق و تمّحي الملكية الخاصة…! أما قوله إن الحكم سيؤول إلى لحراطين، قبل أ ن يستولي عليه الزنوج الزاحفين فنابع من النظرة الدونية التي يؤمن بها كإيمانه بنسبه و حسبه !؟ فكيف يستقيم الحكم للأقلية بدون عدل ولا مساواة و لا يستقيم للأكثرية المستنيرون المتبصرون؟
و من الأفكار السلبية في ما كتب الدكتور قوله “الاسترقاق الذي عرفه هذا الشعب كغيره من شعوب الدنيا” و هذا لعمري موقف قديم يلتمس فيه العذر لأجداده حتى لا يكون لأفعالهم الاستعبادية أي غرابة و لا شذوذ، لكنني أقول له “رب اعتذار أقبح من ذنب.. !” فإذا كانت كل الشعوب عرفت الاسترقاق، فهذا لا يطهره و لا يبرره؛ ثم إن الشعب الوحيد الذي مازال يمارسه حتىّ الآن، ويقاوم التيار الإنعتاقي فهو البيظان في مورتانيا و النيجر ومالي والسودان و اليمن… و لعل تلك نقطة تقاطع هي سبب دعوتك لربط الصلة بهم في مواجهة ضحايا الإسترقاق ! فكان أجدى بك أن تدعو إلى رأب الصدع و إصلاح ما أفسده الأجداد…
من السلبي أيضا قوله: ” ظل البيضان، على مدى القرون الماضية، هم أصحابَ الكلمة الأولى والأخيرة في هذه الأرض(اتراب البيضان)… والدولة الحديثة خيارُهم. فأنى للقرار أن يتجاوزهم؟” خاصة أن مفهوم اتراب البيظان ، هو مفهوم لا نتفق عليه إلاّ إذا كنا نتفق على شرعية الاسترقاق،فبأي حقّ ملك أجدادك أرض شمامة و غيرها… أما الخصال الأخرى ، فلا أحسب دكتورا يتغنّى بأمجاد وتراث زائف ، الفضل في معظمه يرجع إلى الفئات التي تجاهلها نصّه.
أما كون الدولة الحديثة خيارهم فهذا اعتراف خالد بمدى مسؤولية البيظان عن هذه الخطيئة الأولى ، أعني الاسترقاق؟ فلماذا إذا اختاروا استعباد الناس و تجهيلهم و بيعهم في سوق النّخاسة؟ أما القرار فسوف يتجاوزهم بمجرد ما يصبح قرارا ديمقراطيا (صوت واحد لشخص واحد)
لقد فاجأني الدكتور عند ما غرد خارج السّرب ـ رغم “شهادته” و أسفاره وجيله ـ مستطردا ” غير أن الدولة الحديثة والصّنْعة الديمقراطية الأخيرة، ساهما بشكل ملاحظ في تناقص الاستقرار والثقة المتبادلة تاريخيا بين الإخوة المتعايشين في هذه البقعة من الأرض” أفليست الديمقراطية مطلبا لكل مظلوم في العالم لأنها وحدها المخلص من حكم الفرد والظلامية التي تأسف أنت على زوالها! ثم عن أي ثقة تتكلم؟ بين العبيد والأسياد؟ ألم تقرأ “ماؤو تسيتومغ” حول جدلية السيد والعبد؟ فالتعايش لا ينفي التناقض و الاختلاف، لكن هذا سيؤدي إلى امبجاس الحقيقة ـ كما يقول هيجل ـ و سيطرة الطبقة المسحوقة! قال جلّ من قائل: ” ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض ونوري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون” صدق الله العظيم.
هذا التطوريستشعره الدكتورحين يكتب:” … لكن السؤال يبقى واردا هنا ومشروعا عن الوضعية السياسية والاجتماعية والنفسية التي ستحصل عندما ينقلب التاريخ رأسا على عقب ويصبح تابع الأمس متبوعا ومتبوعُه تابعا” لكنه يفهم التطور فهما داروينيّا خاطئا جدا،و أنا ألفت انتباهه إلى ان ذلك التطور الحضاري الذي ننشده لن يقوم على مفاهيم التبعية والسيطرة و الإنتقام، ثم إننا لا نريد قلب التاريخ رأسا على عقب بل نريد محاكمته و تجاوزه لبناء دولة لا تابع فيها متبوع، لا رأس فيها أصلي و لا ذنب أصلي، و كل يمكنه أن يكون رأسا إذا عمل، و كل يمكنه أن يكون ذنبا إذا لم يعمل! دولة لا تكون المكانة الاجتماعية فيها على أساس المولد والحسب والنسب بل على أساس علمي محض.
و في الختام أوجه نداءا ملحا إلى كل المثقفين و الأطر إلى فتح نقاش صريح و شامل حول مستقبل موريتانيا ككل لا مستقبل البيظان و لا مستقبل لحراطين.. !
☆ ابراهيم ولد بلال ولد اعبيد
نواكشوط نوفمبر 2010
عضو حركة الحر