صحيح ان السياسة من سماتها التغير (فلا ثابت في السياسة إلا السياسة) فنحن نقف امام حالة من الجمود او القلق ازاء تأثير تلك القوى في معادلة الامن الاقليمي بعيدا عن استعمال ادواتنا في التأثير وهي متاحة وقوية جدا، وعلى سبيل المثال ان تعاونا وتنسيقا فعالا ببن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة واطرافا اخرى في نطاق سوق الطاقة احدث تحولا في مواقف دول كبرى وباتت تريد الاستماع الينا ومعرفة وجهة نظرنا ازاء قضايا اخرى ذات صلة، خذ مثلا لو توفرت ارادة وطنية وسياسية في العراق في توظيف نتائج التبادل التجاري بين العراق وكلا من ايران وتركيا لانعكس ذلك على قضية شح المياه والعطش في نهري دجلة والفرات ومدى تأثير ذلك بفداحة على الزراعة والري في العراق، فلا يجوز ان العراق يستورد من تركيا بـ ثمانية عشر مليار دولار ومع ايران يستورد اكثر من عشرة مليار دولار بينما تعاني العراق ما تعانيه من نقص في الحصة المائية المقررة الى اكثر من النصف من تركيا وصفر من ايران بعد ان قامت الاخيرة بتحويل مجرى تلك الأنهار نهائيا.

لكل دولة اوراق ضغط ولا يوجد في العالم دولة لا تمتلك عناصر قوة لان مفهوم القوة واسع يتوزع بين الدول وعلينا ان نحسن من كفاءة عناصرنا في التفاوض والحوار وتوظيف تلك العناصر لصياغة معادلة امن اقليمي يشارك فيها الجميع ولا تقتصر على طرف أو طرفان، الفكر والثقافة والاقتصاد والسياسة والامن عناصر تتفاعل باستمرار وتنتج رؤية سياسية واقتصادية تجعل منطقتنا تشهد نوع من الاستقرار والسلام، بينما يتحاور الامريكان والاوربيون مع ايران في الملف النووي الايراني وهو من صميم بل وجوهر هواجس الامن الاقليمي ليس لنا مشاركة او تأثير في مجريات المفاوضات بينما نحن من نعاني من تلك السياسات والتوغلات الايرانية!! لقد جسدت جولة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الخليجية هذا الهاجس والبحث عن وسائل تقوية الامن الخليجي والعربي سعيا لوضع ثقلنا وتأثيرنا الحقيقي في تفاعلات المنطقة الجيوسياسية.

الأدوار في السياسة مثل الفرص والحقوق تنتزع انتزاعا ولا يوجد هناك في عالم اليوم من يتذكرك ويقول لك تفضل هذا دورك.. حقيقة ان هناك اختلالا في منظومة الامن الاقليمي واقصد بالمنظومة اطرافها دول المنطقة العربية وإيران وتركيا وباكستان والهند مع عدم تجاهل تأثيرات القوى الكبرى وتقاطعاتها مع سياسات المنطقة.

نحن ندرك ان الحضور والتأثير يحتاج تحرك وفعالية وعلينا ان نرسم سياسات واقعية تلبي مطالبنا وتتفاعل مع البيئة والمصالح الدولية.

فالمصالح مستمرة فلا عداوات تدوم في السياسة ولا صداقات فالبقاء دوما للأجدر والاذكى.